Login to your account

Username *
Password *
Remember Me

ذكري مرور 156 عاما على حفر قناة السويس

349_91686.jpg

يعد المصريين القدماء أول من شق قناة لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر النيل وفروعه وكانت أول قناة أنشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرةعام 1874 ق.م.، ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات تحت عدة أسماء منها: قناة سيتي الأول عام 1310 ق.م.، فقناة دارا الأول عام 510 ق.م.، ثم قناة بطليموس الثاني عام 285 ق.م.، وقناة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان عام 117، وقناة أمير المؤمنين عام 640، بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، وظلت 150 عاماً إلى أن أمر الخليفة العباسيأبو جعفر المنصور بردم القناة التي كانت تصل بين الفسطاط والسويس، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، ومن ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل، وأغلقت القناة حتى عام 1820، وعندما أكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية. وفي عام 1800 كلف نابليون بونابرت مجموعة من الخبراء على رأسهم المهندس لوبيير بدراسة منطقة سيناء ووضع دراسة جدوى لحفر قناة تصل بين البحرين ولكن الفكرة لم تكتمل بسبب حساباتهم الخاطئة التي توصلت إلى أن البحر الأحمر أكثر أرتفاعاً من البحر الأبيض المتوسط بنحو 30 متر وفي حالة حفر القناة ستغرق المنطقة. حفر القناة  عقب اكتشاف البرتغالي فاسكو دا غاما لطريق رأس الرجاء الصالح‏،‏ تضرر اقتصاد وتجارة مصر المملوكية واقتصاد البندقية ونابوليوجنوة بشكل بالغ،‏ فما كان من أمراء البندقية إلا أن وفدوا على مصر عام ‏1501‏ ليعرضوا علي السلطان الغوري فكرة الاستغناء عن طرق القوافل واستبدالها بالنقل عبر النيل بحفر قناة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض‏،‏ إلا أن ظروف مصر وصراعها مع العثمانيين في ذلك الوقت والذي انتهي باحتلالهم للقاهرة عام 1517‏ لم يسمح بإنشاء مشروع بهذا الحجم‏، ومات المشروع حتى اقترحه الفيلسوف الألماني الشهير لايبيتز علي الملك لويس الرابع عشر في إطار مشروع شامل لغزو مصر، ولكن الملك لم يرد إغضاب الباب العالي في الآستانة من ناحية‏،‏ ولأن أحلامه التوسعية كانت في أوروبا‏.‏ وعندما قامت الثورة الفرنسية دخلت في صراعات مسلحة دموية مع ممالك أوروبا واستطاعت الانتصار عليها إلا مملكة واحدة وهي انجلترا‏،‏ وأرادت فرنسا قطع طريق المستعمرات البريطانية في الهند باحتلال مصر وكانت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798.‏ وأعطت حكومة الديركتوار التي كانت تحكم فرنسا أمراً مباشراً لنابليون‏ بونابرت بالقيام بحملة لحفر قناة تربط بين البحرين ولذا كانت تسمي قناة البحرين‏.‏ فخرج نابليون من القاهرة ومعه مجموعة من المهندسين يرأسهم مهندس يدعي لوبير‏‏ لمعاينة الموقع هندسياً عند السويس والبدء في الحفر‏.‏ إلا أن لوبير أقنع نابليون بالعدول عن المشروع لأنه اكتشف أن مستوي البحر الأحمر أعلي من مستوي البحر الأبيض‏، مما سيتسبب في غرق مصر كلها، فعاد نابليون إلى القاهرة دون أن يحقق هدفه. وذلك حتى تولى المشروع مجموعة من المهندسين من خريجي مدرسة البوليتكنيك الشهيرة وكانوا مفتونين بعظمة نابليون ويطلق عليهم اسم السان سيمونيين‏‏ وأتوا إلى مصر في عصر محمد علي عام 1832‏ وحصلوا علي اذن منه بالذهاب إلى الموقع من جديد وتبين لهم أن البحرين مستويان وان مهندس نابليون أخطأ الحساب والتقدير‏،‏ إلا أن محمد علي رفض فكرة حفر القناة إلا بشرطين‏:‏ أولهما أن تضمن القوى العظمى حيادية القناة‏،‏ وبالتالي استقلال مصر‏،‏‏ وثانيهما أن تمول القناة بالكامل من الخزانة المصرية،‏‏ مما أظهر حنكة وبعد نظر محمد علي في مسألة القناة،‏ إلا أن الشرطان قوبلا بالرفض.‏ عقب عودة نابليون إلى فرنسا عام 1801‏ بعد فشل حملته على مصر التي استمرت 13‏ شهراً، أرسل دبلوماسياً اسمه ماتيو دي لسبس إلى مصر لاختيار والي لمصر موالي لفرنسا يحكمها بعد أن قام الإنجليز باختيار البرديسي‏،‏ فوقع اختيار ماتيو دي لسبس علي محمد علي الضابط الألباني القريب من شيوخ الأزهر فاصطفاه وقدم له المشورة والمساعدة وهو ما لم ينساه محمد علي،‏ وعندما مات ماتيو دي لسبس جاء ابنه الشاب فرديناند دي لسبس كقنصل مساعد لبلاده فرنسا في الإسكندرية واستقبله محمد علي بحفاوة كبيرة وعرض عليه أن يعمل في القصر مربياً ومعلماً لابنه محمد سعيد باشا وعلى إثر ذلك توطدت عرى الصداقة بين الدبلوماسي الفرنسي والأمير.‏ ومرت الأيام وولي عصر محمد علي ثم عصر عباس حلمي الأول وجاء سعيد باشا إلى سُدة الحُكم، في وقت كانت أسرة دي لسبس تعاني الفقر والعزلة منذ سقوط إمبراطورية نابليون،‏‏ فما كان من دي لسبس إلا أن ركب أول سفينة متجهة للإسكندرية ليصلها في 7 نوفمبر 1854‏ ويلتقي بصديقه الذي أصبح خديوي مصر في‏ 11‏ نوفمبر‏،‏ وهناك عرض دي لسبس مشروع حفر القناة علي سعيد باشا الذي قبل فوراً ما رفضه والده وكأن سعيداً أراد أن يعبر عن امتنانه لصديقه القديم الذي كان يقدم له الأكل الذي حرمه منه والده داخل القصر‏.‏ عهد دي لسبس إلي المهندس الفرنسي فوازان بك بمنصب رئيس مهندسي موقع حفر القناة،‏ والذي كان مسئولاً عن الحياة اليومية في موقع الحفر بكل تفاصيلها،‏ من تقدم عملية الحفر والنفقات والعلاقات بين العمال من مختلف الجنسيات‏،‏‏ ومسألة السخرة الواقعة علي الفلاحين المصريين بأوامر من دي لسبس باعتباره رئيس شركة قناة السويس البحرية العالمية التي كان قد أسسها لتولي عمليات الحفر في الموقع‏.‏ وتعرض دي لسبس لضغوط واتهامات من قبل السان سيمونيين‏‏ بأنه سرق منهم مشروع القناة الذي عرضوه علي محمد علي ورفضه‏. وقد ‏بداء دي لسبس في 25 أبريل 1859 فى حفر القناة في عهد الخديوي سعيد، وانتهى العمل بها بعد عشر سنوات في عهد الخديوي إسماعيل . وتم افتتاحها فى 16 نوفمبر 1869  استخدام السخرة تم حفر القناة عن طريق سواعد نحو مليون فلاح مصري ممن أجبروا على ترك حقولهم وقراهم لكي يشقوا الصحراء في أجواء من المرض والإهانة، وذلك في وقت وصل فيه عدد سكانمصر لأقل من 4 ملايين فيما يعرف بالسخرة والتي مات خلالها أكثر من 120 ألف مصري أثناء عملية الحفر على إثر الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، ومعظمهم لم يستدل علىجثمانه ودفن في الصحراء أو تحت مياه القناة . وانفرد دي لسبس وحده بوضع لائحة العمال وحاز على توقيع الخديوي سعيد عليها، والتي ضمنت لشركة قناة السويس البحرية (الفرنسية في ذلك الوقت) الموارد البشرية الهائلة من خلال تعبئة المصريين لحفر القناة، وجاءت المادة الأولى من اللائحة لتنص على أن تقدم الحكومة المصرية العمال للشركة طبقاً للطلبات التي يتقدم بها كبير مهندسي الشركة وطبقاً لاحتياجات العمل، وحددت المادة الثانية أجور العمال التي تراوحت ما بين قرش ونصف القرش وثلاثة قروش في اليوم، وإذا كان العامل دون الثانية عشرة من عمره يتقاضى قرشاً واحداً في اليوم، والتزمت الشركة بتقديم الخبز المقدد إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره، ونصت اللائحة على فرض عقوبات على العمال الهاربين من الحفر، فالعامل المهمل يخصم من أجره بما يتناسب مع مقدار إهماله، أما العامل الذي يهرب فيفقد أجر الخمسة عشر يوماً المحفوظة بخزينة الشركة، ونصت اللائحة أيضاً على عمل مستشفى ميداني بمنطقة الحفر ومراكز للإسعافمزودة بالأدوية بدأت فصول معاناة العمال من خلال نقض الشركة لوعدها بحفر قناة ماء عزب لمد العمال بمياه الشرب مما أدى للتضحية بآلاف العمال الذين أنهكتهم شدة العطش والانهيارات الرملية. ثم توالى سقوط الآلاف بسبب انتشار الأوبئة، كما خالفت الشركة وعدها بتوفير وسائل متطورة في الحفر وأكره العمال المصريون على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على سواعدهم وعلى الفأس والقفة في شهر ديسمبر 1861 ذهب سعيد باشا بنفسه إلى منطقة الحفر، وأمر بحشد 20 ألف شاب لزيادة معدلات الحفر، فشهدت بذلك سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت فيعام 1862 ما بين 20 ألف و22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلي والبحري، وكثر تمرد العمال وهروبهم وأظهر عمال الوجه القبلي تحدياً سافراً للشركة مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم.  كانت مدينة الزقازيق هي منطقة فرز العمال التي كان يستبعد بها أصحاب الأجسام النحيلة ويختار منهم الشبان الأقوياء، الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيراً على الأقدام في أربعة أيام وهم مقيدين بالحبال يحمل كل منهم قلة ماء وكيس خبز جاف، فيصلون إلى ساحات الحفر منهكي القوى، فيتبع وصولهم إصدار الأوامر بتسريح العمال القدامى الذين أمضوا شهراً كاملاً وهي المدة المقررة لبقائهم. وكانت عمليات الحفر من المشاهد المثيرة التي يحرص على رؤيتها السائحون الأجانب في هذا العصر. وتمادت الشركة في تعنتها ولم تدفع أجور العمال، واستمر نقص المؤن والملابس والأحذية، كما أنشأت معتقل يُرسل إليه من يسيء السلوك، وأنشأت إدارة طبية ومركزاً لإسعاف المرضى لرعاية العمال، ولكن صدرت الأوامر بأن تركز هذه الإدارة جهودها فقط في رعاية العمال والموظفين الأجانب، ومما عرض العمال بشكل مجحف للموت من شدة فتك الأمراض بهم وطبقاً للتقارير الطبية المحفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية كان أكثر الأمراض انتشاراً بين العمال هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد والدوسنتارياوأمراض الكبد والجدري والسل، ثم جاءت الكوليرا في صيف عام 1865 وعصفت بالعمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالاً يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء، وتلاها ظهور مأساة تعرض العمال خلال الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما أدى إلى إصابة الآلاف بالأمراض الغامضة التي أدت إلى وفاتهم على الفور، والغريب أن الحكومة الفرنسية منحت في 19 يناير 1867 وسام الشرف من طبقة فارس للدكتور أوبير روش كبير أطباء الشركة الفرنسية تقديراً لجهوده التي قيل إنه بذلها في حماية العمال المصريين من الموت .

قيم الموضوع
(0 أصوات)
آخر تعديل الجمعة, 24 نيسان/أبريل 2015 03:27

فيس بوك

Ad_square_02
Ad_square_03
.Copyright © 2024 SuezBalady