Login to your account

Username *
Password *
Remember Me

.

"ولقد حملناه عائدين دون أن نذرف دمعة واحدة ، فقد نال شرفاً لم نحظ به بعد" .

هذه العبارة جاءت علي لسان الضابط المصري ماهر عبد الحميد رحمه الله في ختام ملحمة بطولية رائعة كان بطلها الحقيقي الشهيد البطل عمرو طلبة الذي ربما لا يعرفه الكثيرون منا

إنها إحدى العمليات البارعة التى قامت بها المخابرات العامة المصرية من خلال زرع احد عملاءها  داخل المجتمع الإسرائيلي بل وفي قلب الجيش الاسرائيلي ذاته عقب نكسة 1967 ضمن العديد من عمليات الزرع الناجحة التي جرت في هذا الوقت للحصول على أكبر كم من  المعلومات عن الجيش والمجتمع الإسرائيلي.

.

بعد نجاح عملية العبور وإقتحام الجيش المصرى خط بارليف بساعات قليلة  في حرب أكتوبر ، تفاجأ ضباط وجنود  الجيش الثاني الميداني المتواجدين باحدى النقاط الحصينة التي تم الاستيلاء عليها على الضفة الشرقية للقناة  بزيارة سرية مفاجئة من قائد عسكري كبير  لنقطة تمركزهم .

ولم تكن زيارة هذا القائد الكبير للاطمئنان على خط سير العمليات أو لتفقد الموقف على الجبهة أو للاطمئنان على رجاله فقط ، ولكن هذا القائد جاء في هذا الوقت الخطير لتكليف ضباط الوحدة بمهمة شبه مستحيلة في ذلك الوقت 

لقد كان الأمر العسكري واضحا ومقتضبا ومحددا ... عليهم أن يستقلوا مروحية ويتجهوا لنقطة عند القنطرة شرق حدد لهم احداثياتها وكانت تبعد عنهم بمسافة ليست هينة للبحث عن جثة جندي اسرائيلي للإتيان بجثمانه بأي ثمن وإعادته إلى القاهرة ، ثم حدد لهم مواصفاته الجسدية بدقة بل وأمدهم بصورة له 

.

ولم يعرف أحد على وجه الدقة باستثناء قائد المجموعة الرائد ماهر عبد الحميد طبيعة وأهمية هذا الجندي الاسرئيلي التي جعلت قائدا عسكريا كبيرا يخاطر بتواجده على الخطوط الأمامية للقتال ، ثم يأمرهم بهذه المهمة الخطيرة التي بدت مستحيلة ، فقد كان الطيران بطائرة هليوكوبتر  في هذه الأجواء المشتعلة على الجبهة ضربا من الجنون ، فما بالنا والطائرة تحمل ضابطا وجنودا وتطير بهم في أوج احتدام المعارك التي تشارك فيها كافة أنواع الأسلحة من مشاة لمدفعية لمدرعات لدفاع جوي ..إلخ ؟ 

.

إن طلقة واحدة من مدفع مضاد للطائرات يوجهه جندي عادي كفيلة بإسقاط المروحية بما تحمله من صيد ثمين .. ولكن كان يجب تنفيذ الأمر العسكري وتنفيذ المهمة المكلفين بها  على أكمل وجه مهما كانت المخاطرة ومهما كانت التضحيات  

.

وتحت جنح الظلام ووسط أصوات البنادق والقنابل والمدافع الذي لا يهدأ  وبعد مراوغات كثيرة وخطط تعمية ومناورات لم يكشف عنها حتى الآن وصلت المروحية إلى النقطة التي حددها لهم القائد الكبير بالقنطرة شرق ، حيث كان يوجد حطام لمحطة اتصال عسكرية اسرائيلية تم قصفها بواسطة المدفعية المصرية وتسويتها بالأرض ، ووسط الحطام كانت هناك عدة جثث وأشلاء لجنود وضباط اسرئيليين متناثرة داخل وحول المحطة بشكل عشوائي

.

وبسرعة البرق وتحت أضواء كشافات اليد الصغيرة ، أخذ الجنود يفحصون الجثث  في اهتمام بالغ جعل الطيار يتصور أنهم سيعثرون علي وزير الدفاع الاسرائيلي نفسه وسط القتلى...حتى عثروا على جثة الجندي الاسرائيلي المطلوب وتأكدوا من هويته بالعلامة المعدنية التعريفية الملفوفة حول رقبته وعلى حزامه والتي كان منقوشا عليها اسمه «موشى زكي رافئ » ،  ثم اندفع أحدهم نحو الطائرة وهتف بالجنود القابعين داخلها ، فخرج ستة منهم يحملون صندوقا خشبيا وعلما مصريا جديداً 

● وبكل احترام وتقدير نقلوا جثة العريف الاسرائيلي إلى الصندوق ولفوه بعلم (مصر) ووقف الضباط الثلاثة وقفة عسكرية وأدوا التحية الرسمية وهم أمام الصندوق قبل أن ينقله الجنود الستة إلى الهليوكوبتر..

وبسرعة حملوا الجثمان ملفوفا بالعلم المصري ، وأقلع الطيار الحربي المصري بالهليكوبتر وهو يتساءل في حيرة كيف يمكن أن يحظى قتيل إسرائيلي بكل هذا الاحترام والتقدير في زمن الحرب ؟!واتجه الجميع عائدين لوحدتهم دون أن يعرف أغلبهم أو يفهموا شيئا مما يحدث ، وفي الوحدة تم تسليم الجثمان بسرعة لمجموعة أخرى من فرق التموين الطبي التي وضعتها في سيارة اسعاف واتجهت بها غربا لتعبر القناة من على أحد الجسور التي انشأتها القوات المصرية وتتجه بها إلى للقاهرة 

.

وهنا نعود  بالزمن للوراء لست سنوات سابقة على هذا المشهد الغامض المهيب ، وتحديدا للعام 1968 

● ففي صباح يوم بارد ممطر من أيام شتاء يناير 68 وداخل مبني عتيق في حدائق القبة بجوار القصر الجمهوري تماما وفي قاعة خافتة الاضاءة ، تحملق ثلاثة رجال يرتدون ملابس مدنية غارقين في سحب من دخان السجائر من نوع شعبي منتشر وتناثرت حولهم أقداح قهوة فارغة ولفافة طعام لم تُمس وانهمك الجميع في تصفح وقراءة عدة ملفات خضراء يتصفحونها بدقة واهتمام 

● ولم تكن هذه القاعة إلا احدى قاعات ادارة متابعة الجالية اليهودية في مصر ، ولم يكن الرجال الثلاثة  الا الضابطين المسؤلين عن هذه الادارة بالاضافة لأحد قادة الجهاز 

●  أما الهدف من هذا الاجتماع فقد كان اختيار شخص من الجالية اليهودية في سن المراهقة وعلى أعتاب الشباب (من 17 الي 19 سنة) وجعله غطاء لشاب مصري في نفس عمره بعد تدريبه على «إرتداء» شخصية الشاب اليهودي ثم إرساله إلى اسرائيل كي يكون عيناً لمصر في عمق الجيش الاسرائيلي 

.

وقبل أسبوع واحد فقط من هذا الاجتماع كان ضابط العمليات المعروف داخل جنبات الجهاز باسم صقر يتقدم بتؤدة نحو غرفة رئيسه المباشر مقدما اقتراحا جنونيا من أربعة صفحات فحسب يقترح ضرورة زرع عميل مصري في قلب الجيش الاسرائيلي ، وأن يتم الدفع بهذا العميل تحت «غطاء- Cover» يهودي صميم يمتلك هوية يهودية وتاريخا يهوديا تم اختلاقه مسبقا بحيث يصنع خطا دائما من المعلومات لتغذية المصريين بكل ما يحدث ويدور داخل جيش العدو . 

.

كان ضربا من الجنون أن يتقدم ضابط مخضرم بمثل هذا الاقتراح الجرئ بعد الاجتياح الاسرائيلي لكامل مساحة شبه جزيرة سيناء قبل سبعة أشهر فحسب

وبعد أن اصبحت الجالية اليهودية في مصر محط انظار الجميع مصريين وجهات دولية بعدما أصبحوا منبوذين داخل مصر وفر نصفهم إلى اسرائيل عبر الصليب الأحمر بدعوى الاضطهاد و لم يتبق منهم سوى حفنة يعانون الأرق والخوف

.

• لقد راجع الرجال الثلاثة المجتمعون في صبيحة ذلك اليوم الشتوي البارد أكثر من ثلاثة آلاف ملف لكل يهودي عاش في (مصر) قبل أن يلقي القدر أمامهم بأفضل تغطية ممكنة..

أنه ....(موشى زكي رافي)

• ففي أثناء البحث وقعت في إيديهم  شهادة وفاة لشاب يهودي كان قد مات فى مستشفى (المبرة) في (طنطا)، ولم يستدل على أهله لإبلاغهم بخبر وفاته..

• وبسرعة مدهشة ، وإتقان بلغ حد الكمال ، اتخذ رجال المخابرات المصرية كل الاجراءات الممكنة ، لإخفاء كل ما يشير إلى وفاة (موشى) ، وجمع كل التحريات الممكنة عنه ، في الوقت ذاته ..

• وأتت نتائج التحريات مرضية للغاية....

• لقد كان (موشى) هذا شابا فى مقتبل العمر، شديد الوسامة، جميل الملامح ، ولد في حارة اليهود القرائين بالقاهرة ، وكان والده (زكي رافي) كليل البصر ، يتاجر في الأشياء القديمة التي يجمعها من القمامة والمخلفات ويقوم بفرزها في مسكنه ، أما أمه فقد توفيت مبكرا ، وهو بعد مجرد طفل صغير.. ولم يحتمل (موشى ) الصغير العيش طويلا وسط أكوام القمامة التي تملأ جنبات المنزل ، وتزكم أنفه طوال الوقت ، ففر من منزل والده واختفى من حارة اليهود ، دون أن يعلم أحد أين ذهب ، لكنه في الواقع كان قد سافر إلى طنطا للبحث عن فرصة عمل بها بشركة الزيوت والصابون ، إلا أنه لم يلبث أن أصيب بمرض السل الرئوي ، نتيجة سوء التغذية والحياة المرهقة ، وقضى عدة شهور للعلاج ، قبل أن يقضي نحبه في هدوء..

أما والده «زكي رافئ» فقد توفي بعد ثلاثة أشهر من هروب نجله ، وتولت الشرطة دفنه في مقابر الصدقة ، نظرا لعدم العثور على أي أقارب أو أبناء له فى ذلك الحين.

● واجتمع رجال المخابرات، ودرسوا شخصية (موشى) من كل الزوايا ، وفحصوها و محصوها من كل الوجوه ، قبل أن يتفق رأيهم على أنها أفضل تغطية لرجلهم المرتقب والذي لم يتم اختياره بعد 

.

في الأحوال الطبيعية أن تصنع شخصية مثل هذه هو أمر علي قدر  كبير من الصعوبة ،  لكنه ليس مستحيلا ، أما ان تكون هذه الشخصية بعمر بين 17 إلى 19 عاما فقط فهو الجنون بعينه لأن التدريبات وحدها تستغرق 3 سنوات على الأقل قبل الوصول إلى المرحلة المرضية التي يمكن ان يخترق بها هذا العميل الوسط المعادي مع خبرة كافية حتى لايتم اكتشافه

.

حتى وقعت مفاجأة مذهلة حين طالع قائد المجموعة وأكبر الثلاثة المجتمعين صورة الشاب اليهودي موشى زكي رافئ بدهشة شديدة قبل أن يطلب من زميليه انهاء البحث والتركيز علي هذا الشاب بالذات ، فهو شخصيا يعرف مواطنا مصريا حتى النخاع ويكاد أن يكون الأخ التوأم لهذا اليهودي من ناحية العمر  والشكل 

ولم يكن هذا الشاب المصري الشبيه سوى ابن أحد زملاء ضابط المخابرات ورفيقه في السلاح 

وعلى الفور تم الاتصال بالجنرال «طلبة» والد الشاب الشبيه والذي لم يكن سوى بطل قصتنا الشهيد «عمرو طلبة» الطالب بالصف الأول بكلية الهندسة جامعة القاهرة 

.

وبعد إطلاع الجنرال الأب على طبيعة العملية وخطورتها فوجئ الجميع بالرجل الوطني الكبير يوافق بلا تردد على قيام ابنه بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر ، لكنه فقط طلب منهم أن يتركوا له مهمة إبلاغه وإقناعه بهذه المهمة 

.

وبعد أيام قليلة بدأت عملية إعداد وتجهيز البطل عمرو طلبة على وجه السرعة ، حيث أُخضع للعديد من التدريبات على استخدام  الحبر السري وشفرة مورس وأجهزة اللاسلكي ، وكذلك العديد من الدورات المكثفة في اللغة العبرية وتعاليم الدين اليهودي وعلم النفس والتمثيل والتقمص والتنكر ، بحيث كاد الفتى أن ينسى اسمه الحقيقي ، ويتصور أنه بالفعل (موشى زكي رافي) .. لقد درس تفاصيل حياة موشى بمنتهى الدقة ، وشاهد عشرات الصور لمسقط رأسه فى حارة اليهود ، واستمع إلى عشرات المحاضرات ،  وتم إخضاعه للعديد من الاختبارات الصارمة والقاسية  للتأكد من جاهزيته للمهمة الخطيرة المقبل عليها ، لدرجة أنه كان يتم ايقاظه في أية لحظة ، من الليل أو النهار ، و سؤاله عن اسمه وهويته ، لضمان تقمصه التام للشخصية ، على نحو لا يسمح بحدوث أية أخطاء ، مهما كانت الظروف والملابسات ..

وأخيرا ، اجتاز الشاب كل الاختبارات العسيرة بنجاح ، واستعد لبدء مهمته.. وبدء خطواته العملية ، لاثبات وتأكيد شخصيته الجديدة..

.

وفي أبريل 1969 ، ذهب (عمرو ) إلى حارة اليهود ، واتجه مباشرة الى المنزل رقم (19) ، الذى كان يقيم فيه (موشى زكي رافي ) ، وراح يسأل عن والده فى اهتمام شديد جذب اليه انتباه الجميع ، وخاصة بعض النسوة ، اللاتي استقبلنه بفرحة حقيقة باعتباره (موشى ) ، ولكنهن لم يخبرنه بما أصاب والده (زكي ) وانما طلبن منه سؤال الحاج (محمد أحمد شافعي ) ، المالك السابق للمنزل ، والذى يمتلك محطة وقود فى شارع بورسعيد ..

و انتظر عمرو الحاج الشافعي طويلا فى محطة الوقود ، قبل أن يرشده أحد العاملين فيها إلى منزل الحاج ، في الطابق الخامس من عمارة (بنزايون)، فى شارع (الأزهر)..

وبالطبع لم يتعرف الحاج شافعي عليه في البداية ، الا أن ( عمرو ) أخبره انه (موشى)، وأنه يبحث عن والده (زكي)، فاستقبله الرجل فى ترحاب ، وصدق روايته على الفور ، ثم أفضى اليه بنبأ وفاة والده ، ومن المؤكد أن عمرو كان ممثلاً بارعا ، اذ أن حزنه وبكاءه على والده المزعوم ، جعل الحاج يتأثر جدا ، و يعرض عليه كل مساعدة ممكنة، إلا أن (عمرو ) اكتفى بتجفيف دموعه ، و غادر المنزل بلا رجعة ..

.

وفي اليوم التالي مباشرة ، قتل عمرو نفسه بحثا عن متعلقات أسرته ، التي انتقلت إلى عهدة الحكومة ، و التي لم تزد على بضع صور قديمة، وساعة جيب تعود لأبيه ،وسلسلتين ذهبيتين ، وشهادتي ميلاده هو وأخته ، وبطاقة والده الشخصية، وصورة لطفل صغير ، ومبلغ لا يستحق الذكر..

● ومع الغوص فى الروتين و تعقيداته ، وبعد أن تم اعتقاله تحفظيا لمدة 12 يوما في قسم الشرطة وسط المجرمين واللصوص، استعاد عمرو تلك المتعلقات التافهة في أوائل مايو ، ليبدأ معها المرحلة الثانية في حياته الجديدة 

فبعد أن حصل على أوراقه الثبوتية وكافة المستندات الرسمية التي تثبت أنه موشى زكي رافئ ، بدأ على الفور في الاستعداد للهجرة خارج مصر 

وعلى عكس ما سيتصور الجميع ، لم يسافر عمرو  إلى اسرائيل ..!!

لقد حصل على وثيقة سفر رسمية ، بناء على ما جمعه من أوراق ، بإسم (موشى زكي رافي)، وغادر مصر في الحادي والثلاثين من مايو عام 1969، متوجها الى ( أثينا) باليونان ، و منها إلى (كوالالمبور)، عاصمة جزر الملايو (ماليزيا حاليا).

 

وفي كوالالمبور ، بدأ (موشى) اليهودى عملية البحث عن عمل ، وحاول في استماتة الحصول على وظيفة فى شركة (تاي هونج) للبسكويت ، ولكنه لم ينجح فى هذا ، وقضى ما يقرب من شهرين عاطلا عن عمل، و راح يتردد طوال تلك الفترة على مقهى متواضع يرتاده الباحثون عن العمل باستمرار ويدعى (هنج كي)

وفى ذلك المقهى التقى (موشى) بالاسرائيلي (تصادوق)....

و (تصادوق) هذا كان بحّارا من بحارة السفينة الاسرائيلية (شيقمة) ، وهو شخص ودود بسيط سكير يهوى العبث والفجور و يتنفسهما في كل مساء ، و لقد راقت له شخصية (عمرو) و ملامحه الهادئة ، فأرتبط معه بصداقة محدودة ، ثم لم يلبث أن راح يغريه بالسفر الى اسرائيل و الشاب يبدي عدم اهتمامه أو رغبته في الهجرة إلى هناك.

• وازداد إلحاح (تصادوق ) ، وبدا له وكأن (موشى رافى ) قد بدأ يميل الى الفكرة ، وخصوصا مع عجزه عن الحصول على عمل دائم في (كوالالمبور) ، فأخذ تصادوق يزين له الأمر ، ويصف له ( اسرائيل) وكأنها الجنة الموعودة ، حتى أعلن الشاب موافقته اخيرا ، وأكد انه سيسافر الى (اسرائيل) للتجربة فحسب ، وسرعان ما قرن القول بالفعل ، ووصل فى الصباح التاسع من أغسطس الى ميناء (حيفا) ، حيث سجل اسمه كمهاجر جديد ، وحصل على خطاب من وزارة الهجرة ، وقيّد اسمه في المكتب المهاجرين التابع للوكالة اليهودية ، وهكذا دخل (عمرو ) الى ( اسرائيل) كمهاجر رسمي ، وراح ينهي اجراءاته القانونية فى وزارة الهجرة ، ويجتاز هذه المرة اختبارات وصعوبات من نوع جديد .. اختبارات وصعوبات لا يؤدي الفشل فيها إلا لنتيجة واحدة..الإعدام وبلا رحمة.. لقد كانوا يعصرونه عصرا 

.

وعلى الرغم من صعوبة الاجراءات والاختبارات ، ودقة الأسئلة و الاستجوابات ، فقد اجتاز الشاب هذه المرحلة فى نجاح ، وخرج من وزارة الهجرة ليبدأ حياته الجديدة ، و مهمته الجديدة.. وفي قلب العدو..

.

● وكان أول درس تعلمه (موشى ) في اسرائيل هو أنها ليست  على الاطلاق  أرض الميعاد والأحلام ، التي تتحدث عنها الدعايات اليهودية ، فقد رأى بعينيه علامات البؤس والشقاء على وجوه المهاجرين ، بينما الموظفون يطوحونهم من مكتب الى آخر قبل أن يحصلوا فى النهاية على قرض ضئيل لا يكاد يكفي لحياة متدنية لشهر أو شهرين ، و خاصة اليهود الشرقيين (السفارديم) الذين يتعلمون منذ اللحظة الأولى أنهم سيظلون أبدا الطبقة الأدنى ولن يتساوى احدهم قط مع فئة اليهود الغربيين الممتازة (الأشكيناز)..

أما الدروس التالية مباشرة فقد كانت دروس اللغة العبرية..

وكم عانى الشاب وهو يحضر تلك الدروس المسائية في انتظام متظاهرا بصعوبة فهم اللغة العبرية التي يجيدها إجادة تامة تتيح له التحدث بها وقراءتها وحتى التفكير بحروفها وكلماتها وجملها الطويلة..

وبعد شهر بدا أشبه بدهر كامل انتهى الشاب من دروس العبرية وحصل على شهادة فيها بدرجة جيد ثم سافر الى ( القدس) بحثا عن عمل مجز بعد أن انتهى قرضه أو كاد..

وفي ( القدس ) كان الشاب أسعد حظا ، اذ حصل على وظيفة كتابية فى مستشفى (أتنيم) صار يقضي فيه يومه كله..

● ومصطلح ( يومه كله) هذا لا يحمل أدنى مبالغة ، اذ أن الشاب لم يكن يمتلك من راتبه وبقايا القرض ما يكفي لاستئجار مسكن بسيط ، لذا فقد كان يقضى نهاره كله فى العمل وليله كله مستلقيا فوق مقعدين متهالكين فى مطبخ المستشفى..

ولقد أثار هذا شفقة طبيب يهودي أمريكي يدعى (مورتن فيكسبرت) كان قد باع منزله فى نيويورك وهاجر الى اسرائيل مبهوراً بالدعاية اليهودية ، ثم لم يجد أمامه سوى وظيفة بسيطة فى ذلك المستشفى المتواضع..

ولأن (مورتن) هذا كان يشعر بمعاناة المهاجرين الجدد ، فقد تأثر بموقف الشاب ودعاه للاقامة في حجرة صغيرة ملحقة بجراج منزله الكائن في 13 شارع (آحاد ها عام) وسط حي (تليبيا) ولقد قدر (موشي) هذه الخدمة جيدا وارتبط بعلاقة صداقة مع (مورتن)..

ولكن الصداقة لم تدم طويلا إذ سرعان ما سئم (مورتن) هذا النمط من الحياة  في اسرائيل واتخذ قراره بالعودة الي (نيويورك) وبدء حياته من جديد هناك بعد أن يئس من تحقيق أي نجاح يذكر في أرض الميعاد...

● وبعد رحيل (مورتن) انتقل الشاب الي (تل أبيب) سعيا وراء فرصة عمل أفضل ، وهناك كانت وسامته المفرطة هي جواز مروره إلي قلب عجوز شمطاء تمتلك دار للنشر وتدعى (شوشانا بيرسولتز) ، فألحقته بالعمل لديها كاتبا للحسابات لقاء راتب معقول وهي تتطلع أكثر ما تتطلع إلى وسامته ورجولته وقامته الممشوقة...

وقبل مرور شهر واحد علي عمله في دار (أومانوت) المحدودة للنشر كانت (شوشانا) قد قررت كسر كل الحواجز والإعلان عن مقصدها مباشرة كما تملي عليها طبيعتها السوفيتية الأوكرانية الجافة...

وفي نهاية عام 1970وجد الشاب نفسه مدعوا للانتقال إلي منزل (شوشانا) والإقامة فيه بصفة دائمة....

وقد كان.....

والواقع أن علاقة موشى بتلك العجوز كانت نوعا من التضحية التي تقتضيها مهمته في قلب العدو وتحتمها طبيعة الشخصية التي يتقمصها....

● ولكن الأمر لم يقتصر على (شوشانا) التي بلغ نهمها للحب والجنس حدا ضاق به الشاب وكرهه ، إذ لم تلبث ملاحته ووسامته أن جذبت إليه صيدا جديدا....وكانت عجوزا متصابية أيضا إلا أنها كانت علي قدر من الجمال جعلها تبدو أشبه بالإلهة (فينوس) مقارنة بالشمطاء (شوشانا)...

• ولقد لمحت تلك الجديدة (سوناتا فيرد) الشاب وهو يضرب علي الآلة الكاتبة وبهرتها وسامته فاتجهت إليه في دلال وانحنت تسدل شعرها الأشقر الناعم علي وجهه وتدفع رائحتها العطرة في أنفه وعروقه و أعصابه بحجة متابعة ما يكتب واختبار براعته في الضرب علي الاله الكاتبة...

● وشعر الشاب بالكثير من القلق هذه المرة ، فتلك المرأة (سوناتا) لم تكن امرأه عادية ، فهي زوجة الدكتور (لينتال) رجل المجتمع الشهير ثم إنها - وإالي جوار هذا -عضو بارز في (الكنيست الإسرائيلي) ....

• ولكن (سوناتا) نفسها لم تبال بهذا ...لقد وقعت أسيرة سحر الشاب وخفق له قلبها ولم يعد باستطاعتها مقاومة مشاعرها نحوه ، لذا فقد واصلت زيارة دار النشر وراحت تتقرب من الشاب أكثر وأكثر بحجة زيارة صديقتها (شوشانا)....

• ولكن حقيقة الأمر لم تخف علي عاشقة محنكة مثل (شوشانا ) التي أدركت علي الفور أن صديقتها تسعي خلف فتاها فأندفعت تدافع عنه وتقاتل لاستعادته ، ولكنها انتبهت فجأة إلي أنها قد تحركت بعد فوات الأوان ، وأن (موشي) و (سوناتا) صارا عشيقين بالفعل....

• وثارت (شوشانا) وهاجت وأرغت وأزبدت كما يقولون في الروايات القديمة وصرخت في وجه (موشي) ولكنه صفعها علي وجهها في صرامة ولملم أوراقه ليغادر دار النشر قبل أن تطرده هي في غضب وثورة لا مثيل لهما.

● ولم يبال الشاب كثيرا بما حدث وواصل علاقته بصديقته الجديدة التي ثار زوجها الدكتور (لينتال) ثورة عارمة إثر الفضيحة التي أثارتها (شوشانا) وطالبها بترك (تل أبيب) والعودة معه إلي (الكيبوتز) الذي كانا يعيشان فيه ، إلا أنها رفضت هذا الأمر تماما وتصدت لثورة زوجها في صرامة عجيبة تعود إلي أصلها البافاري الألماني ، ثم لم تلبث أن اتخذت خطوة أكثر جرأة وتهورا فراحت تلتقي بالشاب في أماكن عامة وتصطحبه إلى كل حفل تدعي إليه كما لو أنها تعلن للعالم أجمع أنها عشيقته دون أدنى إحساس بالحياء أو الخجل ....

• وكانت فرصة مثالية للشاب للإختلاط بعلية القوم ونجوم المجتمع الإسرائيلي والتوغل في أعماق ساسته ومسئوليه....

وتفتحت شهيته بشدة لجمع المعلومات وإرسالها إلي (القاهرة) ، إلا أنه تذكر جيداً ذلك الأمر الصارم الذي وجهه إليه رؤساءه في (القاهرة) قبل أن تبدأ مهمته....

• لا ينبغي أن يتحرك أو ينشط إلا إذا تلقى أمرا مباشرا بهذا....

• مهما كانت خطورة ما يراه أمامه....

• ومهما بلغت سرية ما لديه من معلومات....

.

هذا لأن (عمرو طلبه) كان يعتبر حتى هذه المرحلة من النوع الذي يطلق عليه اسم (الجاسوس النائم) وهو جاسوس خاص يتم زرعه في أحد مواقع العدو بحيث يتدرج فيه علي نحو طبيعي دون أن يثير أية شبهات أو اهتمامات حتي إذا بلغ الموقع المناسب أو حانت اللحظة المنشودة يتم إيقاظه وتنشيطه للحصول علي أفضل نتائج ممكنة من شخص لم يعد موضع شبهات على الإطلاق....

لذا كان علي الشاب أن يكتفي بعلاقته بنائبة (الكنيست) دون أن يبدي أدنى اهتمام بما يحدث حوله أو يسعي للحصول علي أية معلومات مهما كانت قوتها...

ولكن هذا الحال لم يدم إلي الأبد ، فسرعان ما تلقّى (موشي زكي رافي) خطاب التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي كأي مهاجر جديد طبقا لقانون الهجرة الإسرائيلي....

ولم يعارض الشاب الأمر وإن طلب من صديقته أن تتوسط له لدي بعض أصحاب النفوذ من أصدقائها حتي يلتحق بوحدة عسكرية قريبة وألا يتم إرساله إلي خطوط المواجهة حيث القلق والخوف والخطر...

● ولم تكن (سوناتا) بحاجة لهذه التوصية إذ إنها لم تكن لتحتمل غياب الشاب عنها يوما واحدا، ولهذا فقد سعت لدي صديقها الواسع النفوذ (اّل) والذي استغل اتصالاته وأبقى الشاب داخل (تل أبيب) حيث تم إلحاقه بإدارة البريد العسكرية...

وكان هذا أكثر بكثير مما يمكن أن يحلم به (موشي)....

ولقد برع كثيرا في وظيفته هذه دون أن يحاول استغلال موقعه أو جمع أية معلومات مهما كانت الظروف...واجتاز الشاب هذا الاختبار الجديد أيضا بنجاح وحظي بإعجاب رؤساءه الإسرائيلين واحترامهم و....ثقتهم.... وهذا هو المهم...

وعندما انتهت فترة التجنيد الإجبارية وكان الشاب بلا وظيفة معروفة فقد رحب بالانضمام إلى قوات الجيش العاملة والبقاء في نفس منصبه في إدارة البريد.....

.

• وعندئذ...عندئذ فقط وصلته تلك الرسالة من (أثينا)...

رسالة بريئة المظهر والمضمون مكتوبة بالحبر العادي وبدون استخدام أية أحبار سرية معروفة أو مستحدثة يوحي كل ما فيها بأن مرسلها شاب يوناني ارتبط به (موشي) بصداقة وثيقة في أثينا قبل وصوله كمهاجر إلى (إسرائيل)...

• كل ما في الأمر أن الرسالة قد انتهت بعبارة تقليدية تقول.. صديقك إلى الأبد (يورجو) 

• وكانت هذه هي كلمة السر المتفق عليها ...وعود الثقاب الذي أشعل فتيل الجاسوس النائم...وأيقظه.....

.

ولا أحد يمكنه أن يتصور مدى انتعاش الشاب عندما تلقّى تلك الرسالة التي انتظرها كثيرا وطويلا ولا كيف تفجر فيض من النشاط بعدها في عروقه فأندفع يجمع ويلتقط كل ما يقع تحت يديه من معلومات في نهم شديد في إنتظار إرساله إلى (القاهرة)...

● وفي الربع الأخير من عام 1972 تلقّى الشاب هدية أنيقة من صديقه اليوناني (يورجو) في عيد ميلاده ، كانت عبارة عن علبة أدوات حلاقة أنيقة تحوي داخلها بعض الشفرات الجديدة وماكينة حلاقة تحمل بحروف أنيقة اسم (موشي رافي)...

• وفي حجرته الخاصة وفي أثناء غياب (سوناتا) قام الشاب المدرب بفك أجزاء أدوات الحلاقة وإعادة جمعها علي نحو خاص حتي تكون لديه جهاز استقبال وإرسال دقيق ، ثم لم يلبث أن استعان بعدسة قوية لنقل الشفرة المحفورة بدقة بالغة علي حافة الأمواس....

• وبدأت ( القاهرة) تتلقّى سيلا من المعلومات على نحو جعلها تطلب من الشاب التريث قليلا حتي لا ينكشف أمره....ولكن المهم أن رجال المخابرات المصرية صاروا على إطلاع تام بكل ما يتم تبادله عبر البريد العسكري مهما كانت درجة سريته عبر إدارات ووحدات الجيش الإسرائيلي...

.

● ولكن فجأة ودون سابق إنذار وصل الشاب أمر صارم أدهشه بشدة....لقد أمره رؤساءه بإثارة غضب (سوناتا)..وبأعنف وسيلة ممكنة....ولم يكن هذا بالأمر العسير ، وكعادته لم يسأل الشاب الرؤساء عن سبب هذا الأمر ، وإنما انتقى فاتنة سمراء وغزل خيوطه حولها ثم لم يلبث أن اصطحبها إلي منزل (سوناتا) وفي فترة عودة هذه الأخيرة بالتحديد....

وعادت عضو (الكنيست) إلي منزلها لتجد صديقها في فراشها مع تلك السمراء الفاتنة....وجاء دور (سوناتا) لتثور وتصرخ وتغضب....وكما فعل الشاب مع (شوشانا) من قبل صفع (سوناتا) علي وجهها ثم اصطحب رفيقته الجديدة وغادر المنزل كله..

• وإنهارت الإسرائيلية بعض الوقت، ثم لم تلبث روح الغضب والثورة في أعماقها أن تحولت إلى رغبة عارمة في الانتقام فأسرعت إلى صديقها (اّل) ذو النفوذ وطلبت منه أن ينقل الشاب الجاحد من (تل أبيب) إلي أقرب نقطة لخط المواجهة...

.

وهكذا وقبل مُضيّ أسبوع واحد كان الشاب قد انتقل من إدارة البريد المركزية ليعمل كرقيب للبريد العسكري في مركز العمليات في (أم مرجم)...

● وكان هذا بالضبط ما تسعى إليه المخابرات المصرية....أن يتم نقل جاسوسها رقم ألف وواحد إلى الخطوط الأمامية للعدو الإسرائيلي مباشرة...ومن موقعه الجديد هذا ، راح الشاب يجمع كل ما يمكنه من معلومات بالغة الأهمية والخطورة عن الجبهة الإسرائيلية... مثل تحركات القوات...خطوط الدفاع....وأماكن الأسلحة....تنظيمات القتال...ومناطق تمركز المدرعات والمدفعية....مصادر التموين...مواضع الوحدات ومراكز القيادة..أسماء الضباط والجنود...كل شئ.....

.

• وعبر الأثير راحت رسائله اللاسلكية المشفرة تنتقل إلي (القاهرة) حاملة فيضاً لا ينقطع من المعلومات علي نحو احتاج إلي إدارة كاملة لتنسيقه ومتابعته وتحليله....

• كان من الواضح أن الشاب شغوف للغاية بموقعه الجديد ، وأنه شديد الحماس لعمله إلى حد لم يعد فيه مكان للخوف أو القلق...

والعجيب أنه ظل وحتى اندلاع الحرب مصدر ثقة كل من عملوا إلى جواره من ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي ، بل وكان الوحيد المسموح له بفحص وتأمين الخطابات الواردة أو الصادرة من وإلى القيادة العامة في (تل أبيب)....

• ومع هذا السيل من المعلومات الواردة راح الرجال في (القاهرة) يعيدون دراسة خرائط الجبهة وتقييم الموقف الأمني والعسكري هناك ، وتم تعديل بعض الخطوط وتطوير البعض الآخر ووضع علامات جديدة في بعض الأماكن.....ومضت الأيام في سرعة...

•• واقتربت ساعة الصفر .. ساعة المعركة..

.

■ وفي تمام الثانية إلا عشر دقائق بعد ظهر السبت السادس من أكتوبر 1973 صدر الأمر بإنهاء مهمة الجاسوس رقم ألف وواحد قبل أن تبدأ حرب التحرير الشاملة....

● وفي الثانية إلا خمس دقائق بالضبط تلقى (عمرو طلبة) أمرا مباشرا من القيادة في (القاهرة) بالتوجه إلى المبنى الخشبي الذي تحتله النقطة الطبية في (أم مرجم) والمقام علي تبة متوسطة الارتفاع علي مسافة مائتي متر من غرفة العمليات التي كانت الهدف الأول لغارات الطيران عندما اندلعت الحرب....

● وفي الوقت ذاته تلقّى كل طياري الضربة الجوية الأولى الذين سيحلقون فوق تلك المنطقة أمرا حازما بعدم قصف النقطة الطبية في ذلك الموقع مهما كانت الأسباب...

وعندما استقبل الشاب هذا الأمر أدرك علي الفور أن الحرب وشيكة وأنه لن تمضي دقائق معدودة حتى تهوي القذائف المصرية علي غرفة العمليات الإسرائيلية كالمطر....

وعلي الرغم من هذا ، فلقد خالف الشاب الأوامر لأول مرة في حياته ورفض مغادرة موقعه إيمانا منه بأنه يستطيع تقديم خدمة ممتازة للقوات المصرية بتوجيه الضربات عبر اللاسلكي من مكانه هذا....

● وفي الثانية ظهراً بالضبط بدأت الضربة الجوية الأولى ، وقفز حماس الشاب ونشاطه إلى أوجهما حتى أنه ارتكب خطأ عجيبا وتجاهل الشفرة تماما وراح يرسل برقياته على نحو واضح ومباشر ، وكأنما أدرك أنه لم يعد هناك مبررا للتواري وقد اشتعل الموقف بالفعل....

● وفي مركز القيادة في المخابرات المصرية فوجئ الرجال ببرقية عاجلة مباشرة من الجاسوس رقم ألف وواحد تحمل تقريرا عن نتائج قصف غرفة العمليات الإسرائيلية ، وكان هذا في الثانية والنصف وخمس دقائق...

وطلب الرجال من (عمرو) مغادرة موقعه بأقصى سرعة ، إلا أنه لم يلبث أن أرسل برقية عاجلة أخرى يقول فيها إن وحدته اللاسلكية تلقت أمرا بالانتقال إلى المواقع الأمامية ، فأبرقت إليه إدارة الجاسوسية تطلب منه تحديد مسار القافلة ، وأتاها الرد بأن القافلة تتجه نحو القنطرة شرق وأنه سيرسل المزيد من المعلومات فيما بعد ثم أعطى صورة دقيقة للقتال وصوت القنابل ودوي الإنفجارات يغطي معظم مقاطع صوته الذي امتلأ باللهفة والحماس علي نحو فاق كل المرات السابقة... فقط أخبرهم بأنه فى القنطرة شرق سيناء ثم دوي انفجار هائل 

وبعدها انقطع الإرسال تماما وتوقفت برقيات (عمرو)..

• ووسط المعمعة والقتال والنيران والدماء ألتقطت اجهزة الاستقبال اللاسلكية الإسرائيلية نداء متكررا بصوت مصري يموج باللهفة والقلق وهو يهتف :

- أجب يا ألف وواحد..أجب....

• كان النداء يتواصل بلا إنقطاع علي موجة خاصة من الساعة الثالثة و أربعين دقيقة ، وكأنما يبحث المصريون عن شخص بالغ الأهمية يرغبون بشدة في إستعادته على الرغم من كل ما يحدث على الجبهة في تلك الساعات الأولى العنيفة..!!!

غير أن العميل رقم ألف وواحد لم يلب النداء قط 

• لقد استشهد البطل المصري بنيران القوات المصرية !!

.

ولأن الوطن لا ينسى أبنائه الذين يضحون من أجله بكل عزيز فقد تم إرسال طائرة هليكوبتر خاصة من طائرات الجيش الثاني الميداني المواجه لمنطقة القنطرة شرق، وفي جنح الظلام تسللت الطائرة مخاطرةً باقتحام خطوط العدو وعدم التحديد الدقيق لمكانه من أجل إحضار جثه الشهيد وقد استرشد الرجال بحقيبة جهاز اللاسلكي التي كان يحملها وأرسل منها أخر البرقيات قبل وفاته..

● لقد توفي الشهيد عمرو طلبه في منطقة القنطرة شرق سيناء بعد أن أدى مهمته على أكمل وجه وساهم في انتصار لن يُمحى أثره من ذاكرة المصريين مهما مرت السنوات.. وسطر لنا أسطورة في الفداء بأغلى مايملك من أجل تراب الوطن..

•• لقد قال الشهيد ذات يوم : " وهبت روحي وحياتي كلها مقابل تحرير تراب وطني" ..

•• لقد صدق الله فصدقه الله ، فحق عليه القول... انهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

.

رحم الله الشهيد

رحم الله الرجــــال 

قيم الموضوع
(0 أصوات)

فيس بوك

Ad_square_02
Ad_square_03
.Copyright © 2024 SuezBalady